بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صلّ عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً. أما بعد..
فإنه من نعم الله تعالى على خلقه أن جعل لهم مواسم خير وبركة، ومنح ربانية عظيمة، كلما انتهت المنحة الأولى إلا وتبعتها المنحة الثانية، يتنافس فيها المتنافسون، ويستزيد من فضلها المستزيدون، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده) [سلسلة الأحاديث الصحيحة]، وإن من هذه المواسم المباركة، والمنح الربانية المتكررة، شهر رمضان المبارك، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه]. ولم تقتصر منحة الله عزّ وجل في هذا الشر على صيامه فقط، بل تفضّل عزوجل على خلقه بمنحة أخرى في آخره، ألا وهي زكاة الفطر، التي إن قام بها المسلم الصائم كانت له طهرة من اللغو والرفث. وفي المقابل كانت طعمة للمساكين.
——————–
وإذا كانت زكاة الفطر بهذه المنزلة العظيمة، وهذا القدر الكبير، فحليّ بنا أن نتكلم هنا عن هذه الشعيرة، من حيث حكمها، وحكمتها، وعلى من تكون؟ وسائر ما يتعلق بها من أحكام، فنقول وبالله التوفيق:
1- حكمها: هي فرض على كل مسلم ومسلمة لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان) [رواه الجماعة].
——————–
2- حكمتها: لها حكمتان:
الأولى: تطهير الصائم من اللغو والرفث الذي وقع منه في أثناء شهر رمضان.
الثانية: إطعام المساكين ومواساتهم في العيد.
ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) [رواه أبو داود].
——————–
3- على من تجب؟
تجب بضابطين: الأول: كل مسلم ومسلمة صغير أو كبير، حر أو عبد.
الثاني: ملك ما يزيد عن حاجته وحاجة من يعوله في يوم العيد.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير .. على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) [رواه الجماعة].
ويستحب أن تخرج عن الجنين كما قال أبو قلابة: (كانت تعجبهم صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى الحمل في بطن أمه) [رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح].
——————–
4- لمن تعطى؟
الصحيح أن زكاة الفطر لا تعطى إلا للفقراء والمساكين، وهم من لا يملكون كفايتهم في يوم العيد، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم: (طعمة للمساكين) [رواه أبو داود]، أما بقية الأصناف الستة فلا يعطون من صدقة الفطر إلا إذا كانوا فقراء أو مساكين فقط.
——————–
5- مقدارها:
صاع عن كل مسلم. والصاع = 2.176 كيلو جرام.
——————–
6- أصنافها: غالب طعام البلد.
فقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير) [متفق عليه]. وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نعطيها زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط) [متفق عليه]. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه: (وطعمة للمساكين) [رواه أبو داود]. فهذه الأحاديث تدل على وجوب الصاع من طعام البلد كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه:
(وكان طعامنا يومئذٍ الشعير والزبيب والتمر والأقط) [صحيح البخاري].
——————–
7- وقت إخراجها:
الراجح أنه يستحب إخراجها يوم العيد قبل صلاة العيد، وله أن يعطيها للساعي قبل ذلك بيوم أو يومين، ولا يشرع تأخيرها بعد الصلاة، ولا تجزئ عنه، وأدلة ذلك ما يلي:
1. أما إخراجها يوم العيد فلحديث ابن عمر رضي الله عنه:
(وأمر بها أن تخرج قبل الصلاة) [متفق عليه]، ولأنها من شعائر يوم العيد، والمقصود بها تطهير الصائم بعد شهره، وإسعاد الفقراء في عيدهم.
2. وأما جواز إعطائها للساعي قبل ذلك بيوم أو يومين فلحديث ابن عمر رضي الله عنه:
(كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين) [صحيح البخاري]، وجاء عن نافع أن هذا الإعطاء كان للعامل. [موطأ مالك وصحيح ابن خزيمة].
3. وأما عدم إجزائها بعد صلاة العيد فلحديث ابن عباس رضي الله عنه:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) [رواه أبو داود] أي: لا تقبل كزكاة, ويأثم للتأخير بلا عذر.
والله تعالى أعلم
وصلى الله على نبينا محمد