إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.
أما بعد:
فإن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام كما في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله شن وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة…) الحديث.
ومن أهمية الزكاة أن قرنها الله عزّ وجلّ مع الصلاة في مواقع كثيرة في الكتاب العظيم للدلالة على عظم منزلتها، وحيث إن نصوص الكتاب تفتقر إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم في فهمها وتوضيحها؛ كما يدل عليه قول الله تعالى:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]؛ فقد جاءت نصوص السنة وافرة في الترغيب في أداء الزكاة، والترهيب من منعها، وتوضيح أحكامها.
فهنا أخي القارئ نضع بين يديك الأحاديث التي تكلمت عن الزكاة في السنة المطهرة.
الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها
1. عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري].
2. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس، على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه) الحديث. [رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد].
3. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) الحديث. [رواه أحمد والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه].
4. عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة، والصوم، والزكاة، ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة). الحديث. [رواه أحمد بإسناد جيد].
5. عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، وحج البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له) [رواه البزار].
6. عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره) [رواه الطبراني في الأوسط، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم مختصراً (إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شرّه) وقال: صحيح على شرط مسلم].
7. عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وحجّوا واعتمروا، واستقيموا، يُستَقم بكم) [رواه الطبراني في الكبير والأوسط والصغير، وإسناده جيد].
8. عن أبي أيوب رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم) [رواه البخاري ومسلم].
9. عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلّني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال: (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان) قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فلما ولّى قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) [رواه البخاري ومسلم].
10. عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان وقمته، وآتيت الزكاة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات على هذا كان من الصدّيقين والشهداء) [رواه البزار بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان].
11. عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة به نفسه، رافدة عليه كل عام، ولم يعط الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشرّه) [رواه أبن داود].
12. عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. [رواه البخاري ومسلم].
13. عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك، ومن جمع مالاً حراماً ثم تصدق به؛ لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه) [رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد].
14. عن زِرِّ بن حبيش: أن ابن مسعود رضي الله عنه كان عنده غلام يقرأ في المصحف، وعنده أصحابه، فجاء رجل يقال له: حضرمة، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أيّ درجات الإسلام أفضل؟ قال: الصلاة، قال: ثم أيّ؟ قال: الزكاة. [رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به].
الترهيب من منع الزكاة
1. ع
ن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار). قيل: يا رسول الله! فالإبل قال: (ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها – ومن حقها حَلَبُها يوم وِردِها – إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاع قَرقَرٍ أوفَرَ ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار). قيل: يا رسول الله! فالبقر والغنم؟ قال: (ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بقاعٍ قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها شيئاً، ليس منها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولها، رُد عليه آخرها {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار). قيل: يا رسول الله! فالخيل؟ قال: (الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر. فأما التي هي له وزر: فرجل ربطها رياءً وفخراً ونواءً لأهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر: فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينسَ حق الله في ظهورها، ولا رقابها، فهي له ستر. وأما التي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طِوَلها فاستَنَّت شرفاً أو شرفين إلا كُتب له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله تعالى له عدد ما شربت حسنات). قيل: يا رسول الله! فالحُمُر؟ قال: (ما أُنزل عليَّ في الحُمُر إلاَّ هذه الآية الفاذَّة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} رواه البخاري ومسلم واللفظ له والنسائي مختصراً.
2. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع حتى يطوَّق به عنقه) ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله
{وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:180] رواه ابن ماجه واللفظ له والنسائي بإسناد صحيح وابن خزيمة في صحيحه.
3. عن علي رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وشاهده، وكاتبه، والواشمة، والمستوشمة، ومانع الصدقة، والمحلل والمحلل له). صحيح الترغيب والترهيب.
4. عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يتبعه فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي خلفت، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده). رواه البزار وقال إسناده حسن والطبراني وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. (الشجاع): بضم الشين المعجمة وكسرها: هي الحيّة، قيل: الذَّكَر خاصة. (الأقرع): الذي ذهب شعره لكثرة سمّه. (الزبيبتان): هما الزبدتان في الشدقين. وقيل: هما النكتتان السوداوان فوق عينيه.
5. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل إليه ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، قال: فيلزمه أو يطوقه يقول: أنا كنزك أنا كنزك). رواه النسائي بإسناد صحيح.
6. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مانع الزكاة يوم القيامة في النار). رواه الطبراني في الصغير.
7. عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين). رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات والحاكم والبيهقي في حديث إلا أنهما قالا: (ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر). وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم.
8. ولفظ البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين! خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان؛ إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم؛ إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سُلِّط عليهم عدو من غيرهم، فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلا جُعل بأسهم بينهم). ورواه ابن ماجه والبزّار من حديث ابن عمر.
9. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لا يكوى رجل بكنز فيمس درهم درهماً، ولا دينارٌ ديناراً، يوَسّع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حِدَته). رواه الطبراني في الكبير موقوفا بإسناد صحيح.
10. وعن الأحنف بن قيس رضي الله عنه قال: (جلست إلى ملأٍ من قريش، فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة، حتى قام عليهم فسلّم، ثم قال: ((بشّر الكانزين برِضف يحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل)) ثم ولى فجلس إلى سارية، وتبعته، وجلست إليه، وأنا لا أدري من هو؟ فقلت: لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذي قلت. قال: إنهم لا يعقلون شيئاً، قال لي خليلي- قلت: من خليلك؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم-: (يا أبا ذر! تبصر أحداً؟) قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له- قلت: نعم، قال: (ما أحب أن لي مثل أحد ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير) وإن هؤلاء لا يعقلون، إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل) رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم أنه قال (بشر الكانزين بكيّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكي من قِبَل أقفائهم، حتى يخرج من جباههم) قال: ثم تنحى فقعد، قال: قلت من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر. قال: فقمت إليه فقلت: ما شيء سمعتك تقول قُبَيْلُ؟ قال: ما قلت إلا شيئاً قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه؛ فإن فيه اليوم معونة، فإذا كان ثمنا لدينك فدعه.
(الرِّضف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة: هو الحجارة المحماة. (النُّغْض): بضم النون وسكون الغين المعجمة بعدهما ضاد معجمة، وهو غضون الكتف.